ربُما يبدوا العنوان بأنهُ غريبًا نوعًا ما؛ ولكن الأمر بسيط جداً، ويسير ، "ومن أراد الأخرة، وسعى لها سعيها، وهو مؤمن فأولئِك كان سعيهم مشكورًا"؛ فنحن نعيش في الحياة الدنيا فترة قصيرة، وجيزة جدًا، كأنها، ومضة ورمَشِّة عين، سرعان ما تنتهى، وينتقل بعدها الإنسان من الحياة الدُنيا دار الفناء، إلى الآخرة دار الخُلد والبقاء. فكم من أُناسٍ كانوا بيننا في الأعوام الماضية قد أصبحوا الآن في طي النسيان، ومن ذاكِرة الزمان، وكأنهم كان يا ما كان في سالف العصر، والزمان فاتنة، والمفتون، وجمال غادة ساحرة العيون، وفلانة، وفُلان ثم جاء المنون!. يومها لا ينفع مالٌ، ولا بنُون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم؛ "وقد تساوى في الثرى راحِّلٌ غدًا، ومَاضٍ من أُلوف السنين"!؛ فيا أيها الإنسان المسكين إنما أنت بضعة أيام كلما انقضى يَومٌ؛ كلما انقضي بِّضعٌ منك، فما الحيلة، وما الخلاص؛ إنه في إخلاص النية، لربِ البرية؛ وأن تكون مخموم القلب، تقى نقي ليس في قلبك غِّلٌ ولا حقٌد، ولا حسد على أحد، وتوحد الواحد الأحد الفرد الصمد، وأن لا تُشرك به شيئًا؛ وليس هذا فقط، وإنما أن تبدأ من الآن تؤسس بُنيانك على تقوى، وهدى، وتضع الأساس المتين، وتزينهُ، وتشيدهُ بالرُخامِ المُحصن الحصين، وتضع لبناتهُ من المسك، والعنبر، لا من الطِّين؛ وذلك سهلٌ، ويسير ولا يحتاج منكم، ولا منكُن للكثير؛ وإنما أن تبدأ بالعمل لتجهيز قصرك جنتك في قبرك، وذلك من خلال الاكثار من ذكر الباقيات الصاحات فتقول:" سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"؛ وأن تجعل لسانًا رطبًا بالذكر والاستغفار، والصلاة، والسلام على سيدنا النبي المختار؛ ثم عليكُم الاكثار من قول: سبحان الله، وبحمده وسبحان الله العظيم، ومن قول: لا حول، ولا قوة إلا بالله، والمهم جَبرٌ الخواطر، والصدقة بالمال، وسُقيا الماء وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل، والناس نيام؛ جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره بعد موته :من عَلّم علماً, أو أجرى نهراً أو حفر بئراً , أو غرس نخلاً , أو بنى مسجداً , أو ورّث مصحفاً , أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته".. كُلنا سوف نرحل، ولذلك السعيد من عَمر آخرتهُ، ولم ينسى نصيبه من الدنيا، وأطاع مولاه؛ وليجعل كُل منا كل يوم له ورد قرآني حسب ما يستطيع، ولو قراءة سورة الإخلاص عشر مرات في الصباح، ومثلهن في المساء. وإن كان من أصحاب الهِمة العالية، ويريد أن يعمر قبره ليكون جنتهُ، وقصره فليقرأ كل يوم جزء من القرآن وسورة البقرة، وآية الكرسي دُبر كل صلاة مكتوبة، وليبكي خوفًا من مالكِ المُلك في قيام الليل، ويصوم نهاره. ولكن لا يغتر أحدٌ مِنا بعمله!؛ جاء عن رسول الله ﷺ يقول: " لن يدخل أحد عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته"؛ يقول الحق تبارك وتعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا"؛ " اعمل فكل ميسر لما خلق له"؛ نامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى حصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ فقلنا يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً فقالَ ما لي، وما للدُّنيا ، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها؛ وعن عبدِاللَّه بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَامَ رسولُ اللَّه ﷺ عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: مَا لي وَللدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ؛ وعن أَبي هريرةَ قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: يَدْخُلُ الفُقَراءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمئَةِ عَامٍ رواه الترمذي وقال: حديثٌ صحيحٌ؛ وعن ابن عَبَّاسٍ وعِمْرَانَ بن الحُصَيْن ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهلِهَا الفُقَراءَ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ متفقٌ عَلَيْهِ من رواية ابن عباس، ورواه البخاري أيْضًا من روايةِ عِمْرَان بنِ الحُصَينِ؛ وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضيَ اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: قُمْتُ عَلى بَاب الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّة مَنْ دَخَلَهَا المَساكين، وأَصحَابُ الجَدِّ محبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصحَابَ النَّار قَد أُمِرَ بِهمْ إِلَى النَّارِ متفقٌ عَلَيْهِ؛ وعن أَبي هريرة، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ متفقٌ عليه؛؛ ولذلك علينا أن نعمل الآن كل ما نستطيع مما سبق لتكون قبورنا هي قصورنا؛ حيث سيأتي على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا؛ وسوف ينُسى اسمنا، ويُدرس رسمنا ولن يذكرنا ذاكر، ولن يزور قبورنا زائر؛ ولن يبقى لنا، ولكم إلا الملك سبحانه هو القادر الغافر !؛ فعلينا قبل فوات الأوان، ومن الآن أن نجعل لساننا رطبًا بذكر الله جل جلاله، ولتعمل على أن تجعل من قبرك جنتك، وقصرك..
الباحث، والكاتب، والمحاضر الجامعي، المفكر العربي، والمحلل السياسي
الكاتب الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية
dr.jamalnahel@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق