محمود خضر
ماجستير علوم سياسية
تلوح في الأفق انتفاضة فلسطينية ثالثة في ظل تصعيد حكومة اليمين الفاشية بقيادة المتطرف بن غفير، الذي دق أجراس التصعيد حين اقتحم المسجد الأقصى المبارك، في استفزاز غير مسبوق وتهديد خطير لساحة الصراع، ولاقت هذه الخطوة استنكارًا عربيًا وغضبًا شديدًا، وعقدت جلسة لمجلس الأمن الدولي، لمناقشة هذا التصعيد، لم يعبأ بن غفير بما أحدث اقتحامه للمسجد الأقصى من ردة فعل غاضبة، تذكرنا هذه الزيارة المثيرة للجدل، بالزيارة التي أجراها زعيم المعارضة آنذاك أريئيل شارون سنة 2000، وكانت من بين أهم العوامل التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرت إلى حتى عام 2005.
ومع أداء الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة اليمين في 29 ديسمبر، ووصول بن غفير للحكم بدا جليا الانسياق وراء عمليات هدم وتطهير عرقي وطرد وتهجير وإقتلاع مستمرة وبدون توقف في مدينة القدس، وتوسيع المستوطنات اليهودية، على الأراضي الفلسطينية.
من جهتها تتوقع دولة الاحتلال تصعيداً مع غزة، حيث أشارت صحف عبرية إلى إن إيتمار بن غفير قد يجر تل أبيب إلى تصعيد مع غزة، معتبرة إطلاق القذيفة الصاروخية من قطاع غزة باتجاه سديروت يعطي تنبيهاً مرة أخرى بأن هناك مخاطرة كبيرة في أن يؤدي التصعيد الأمني الذي بدأ في القدس والضفة الغربية، إلى جر قطاع غزة معه.
وفي ظل هذا التوتر، سعت مصر للتوسط بين إسرائيل والفلسطينيين في محاولة لوقف العنف في القدس والضفة الغربية المحتلة ومنع انتشاره إلى قطاع غزة قبل حلول شهر رمضان والذي عادة ما يحمل معه موجة من التوترات الأمنية خاصة مع الوضع الذي تشهد الأراضي الفلسطينية ، في ظل تواصل انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، ما بات يرجح سيناريوهات انفجار الأوضاع وامتدادها إلى قطاع غزة، واستضافت القاهرة خلال الأيام الماضية قادة من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة ومن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، كما أجرت محادثات مع ممثلين لإسرائيل في وقت سابق.
وخلال السنوات الأخيرة نجحت الدبلوماسية المصرية في التوسط أكثر من مرة لوقف إطلاق النار بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في غزة، وعملت مصر على التهدئة لوقف التصعيد الفلسطيني الإسرائيلي، وطالبت بممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو من أجل منع اندلاع مواجهة جديدة، في ظل الإجراءات التصعيدية في الضفة الغربية والقدس، وأقنعت حماس بأن الذهاب إلى مواجهة عسكرية جديدة من شأنه أن يدمر كافة التفاهمات التي تم التوصل إليها في فترات سابقة، وأكدت خطورة المشهد في الأراضي المحتلة، واعتبرته بمثابة الشرارة التي من شأنها أن تؤدي إلى انفجار يخشاه الجميع في المنطقة، وطالبت من إسرائيل بشكل مباشر بضرورة وقف أي إجراءات تعسفية ضد الأسرى في السجون الإسرائيلية. كما شددت على ضرورة تخفيف القيود عليهم وبحث سبل حل هذا الملف بشكلٍ واسع، وحثت أمريكا بالضغط على إسرائيل لوقف الرد العسكري، والحد من تصعيد العنف، ووجهت مصر مناشدة إلى حركة الجهاد الإسلامي التي ترفض الاتصال المباشر مع إسرائيل.
تبحث مصر عن حدود هادئة ومستقرة، وتهدف من تهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة، حيث تقلق من احتمالية حدوث مواجهات خلال الأشهر القادمة، في وقت بات من الصعب تقييد أفعال الحكومة المتطرفة في إسرائيل، خاصة أن انفجار الأوضاع في الضفة الغربية يعني انتقالها بنسبة كبيرة إلى قطاع غزة كرد فعل طبيعي على الأحداث.
هناك احتمال أن تنجح مصر في وقف التصعيد خلال شهر رمضان، ولكن من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من العنف، في ظل قرار الكابينيت بزيادة عمليات هدم المنازل والاعتقالات والعقوبات الجماعية وتسليح المستوطنين وتكثيف الاستيطان وتعزيز انتشار القوات الإسرائيلية في القدس المحتلة، وأنحاء الضفة الغربية، وإطلاق، مما سيفتح دوائر جديدة تؤجج دوامة عنف الاحتلال الدموي بحق الفلسطينيين، وتطمس أي أفق سياسي للحل. على حكومة الاحتلال أن تدرك بأن معادلة قتل الفلسطيني ليست سهلة وسيقابل ذلك بالرد، وعليه أن يراجع حساباته في ارتكاب جرائمه بحق الفلسطينيين، وأن المقاومة مهما تعرضت لاعتداءات متكررة لن تنتهي، بل تظل تنمو أكثر، وعلى مصر ضرورة توجيه رسالة مباشرة الى إسرائيل بان العنف يولد من العنف، و الإجراءات التي يتخذها الاحتلال الإسرائيلي لن توقف العنف والهجمات ضدها، بل سيزيد من روح الانتقام، حيث إن عمليات هدم المنازل، والاعتقالات، والعقوبات الجماعية، وإطلاق يد القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تفتح دوائر جديدة تزيد من التصعيد، وعلى غزة التحلي بمزيد من الهدوء وعدم الانصياع لحيلة بن غفير الذي يريد كسب الشارع الإسرائيلي بعد المظاهرات التي خرجت ضد حكومة نتنياهو بسبب فشلها الأمني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق